تعرف على رحلة الكتاب المطبوع في العالم
يمكن القول إن كل ما وصل إليه الإنسان في العصر الحديث من تقدم، إنما يعود إلى معرفته لفن الطباعة، فإذا كان الكتاب يعد حافظ الإنجازات الإنسانية، فالطباعة هي سبب وجود الكتاب، وهي سبب تأثيره الفاعل في تاريخ البشرية، فالطباعة هي التقنية الأكثر فاعلية في تاريخ الإنسانية، والتي لم يتوصل الإنسان إلى ما يماثل أهميتها، ووظيفتها التي تتخطى الجانب التقني إلى جوانب أخرى، حيث تسهم بقسط وافر في التحولات الفكرية والاقتصادية التي عرفتها المجتمعات.
كانت الوسيلة المتبعة لنشر الكتاب وتداوله – كما يشير د. خالد عزب وأحمد منصور في كتابهما «الكتاب العربي المطبوع» – تعتمد على النسخ، حيث يقوم الناسخ بنسخ محتويات المخطوط باليد، وكانت العملية تتطلب وقتاً ومجهوداً كبيرين، وكما كان للصينيين الفضل في اختراع وسيط كتابي، قدر له أن يحيا حتى اليوم وهو الورق، كان لهم أيضاً الفضل في بزوغ فكرة الطباعة واستخدامها.
كانت الطباعة بواسطة الألواح الحجرية، في القرن الرابع الميلادي، وبمرور الوقت تغير الوسيط المادي، حيث استبدلوا الحجر بالخشب، فظهرت الألواح أو القوالب الخشبية التي استخدمت في الطباعة، ولم يمض وقت طويل على اختراع الطباعة بالألواح الخشبية، حتى استخدمها البوذيون لطبع الكتب والمخطوطات والرسوم، وكان للصين دور أساسي في تطور الثقافة والعلم في كوريا، سواء خلال العصر القديم أو الوسيط.
وتطورت الثقافة اليابانية في ظل تأثير قوي للثقافة الصينية، فخلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين، تبنى اليابانيون الكتابة الصينية، وفي تلك الفترة أصبحت البوذية هي القوة الدينية والسياسية الرئيسية للبلاد، وكان الطلاب اليابانيون يذهبون إلى الصين للدراسة ويحملون إلى وطنهم منجزات الثقافة الصينية.
يذهب الكتاب إلى أن البداية الحقيقية لفن الطباعة الحديثة كانت في أوروبا، فقد قامت الطباعة هناك، نتيجة للتقدم الذي سرعان ما تجاوز أهدافه الأولى، ليُحدث تحولات هائلة، والحقيقة أن فائدة الكتابة صارت أمراً واضحاً منذ القرن الحادي عشر، لمواكبة النشاط التجاري والحركة الثقافية، إلى جانب نمو المدن الكبيرة والصغيرة.
تضافرت هذه العوامل مجتمعة في ازدياد الطلب على الكتب والوثائق المتصلة بأمور الحياة العملية، بل إن الكتابة أصبحت تشغل المجتمع في تصريف حياته اليومية، بداية من القرن الثالث عشر، وأصبح الكتاب سلعة مطلوبة وأخذ يمارس دوراً كبيراً، ولهذا كان الأمر يحتاج إلى حل مسألتين أساسيتين: الأولى هي إيجاد مادة جديدة ورخيصة للكتابة، بينما كانت الثانية تنحصر في البحث عن حل تكنولوجي لسرعة نسخ الكتاب الواحد.
وتشكل رحلة الكتاب العربي المطبوع حداً فاصلاً وبارزاً في تاريخ الطباعة العربية، فمنذ ظهور المخطوط العربي في القرون الأولى الهجرية، استطاع أن يهيمن على معطيات نسخ وتداول حركة الكتب والمخطوطات، كان أول كتاب أو مخطوط نسخ ونشر، ووزع بالمعنى الحديث للكلمة، هو القرآن الكريم، ثم تتابعت الكتب من بعده تتناول علوم الفقه والحديث والتفسير والطب والفلك والجبر والرياضيات.
واستطاع المسلمون فيما بعد أن يطوروا أسلوب نسخ مخطوطاتهم أو كتبهم، بعد التوصل إلى تقنية تصنيع الورق، والتي عرفوها من الصينيين، واستطاعوا أن يطبعوا بعض الكتب في العصر العباسي، باستخدام القوالب الخشبية، ولم يمض وقت طويل على دخول الورق إلى أوروبا حتى استطاع جوتنبرج تفعيل الطباعة بالأحرف المعدنية المنفصلة، وهو اختراع توصل إليه الكوريون قبله بحوالي 73 عاماً، لكن جوتنبرج هو الذي فعَّل هذا الاختراع، واستخدمه في الأغراض التجارية.
من مفارقات القدر – كما يوضح الكتاب – أن يكون أول مطبوع عربي في العصر الحديث من إنتاج الأوروبيين، وليس العرب أو المسلمين، كان هذا الكتاب هو قاموس عربي – إسباني نشر في عام 1505 بقصد محاولة تنصير العرب المسلمين في إسبانيا، ثم توالى بعد ذلك تأسيس المطابع.
وظهر فن الطباعة العربي في القرن السابع عشر في لبنان، مع إنشاء المطبعة المارونية، التي أصدرت الإنجيل بحروف سيريانية، أما أولى المطابع التي طبعت كتباً بالحرف العربي، فكانت في حلب، ثم تبعتها مطابع أخرى في لبنان، وعرفت مصر الطباعة منذ وقت مبكر، لكن تأسست أول مطبعة رسمية في مصر في عهد محمد علي عام 1822 وهي مطبعة بولاق، التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ مصر الحديث والمعاصر