العاصفة المتكاملة الحالية وتحديات صناعة الطباعة!
لقد أدى كلاً من الارتفاع الصاروخي فى أسعار الورق ونقص المواد الخام وتعطل سلاسل التوريد و حدوث فيروس كوفيد-19 وأزمة أوكرانيا، وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة في حدوث عاصفة متكاملة تواجهه صناعة الطباعة.
ليس هناك شك في أن الطباعة صناعة قادرة على التحدى والصمود، وبالرغم من أنه فى مقابل ظهور التطبيقات والتقنيات التكنولوجية المختلفة التى تم إدخالها إلى الصناعة، كان هناك عدد من النقاد الساذجين الذين يتوقعون موت الطباعة. لكن صناعة الورق والحبر المزدهرة أثبتت خطأهم في كل مرة. ومع ذلك، فإنه خلال العامين الماضيين قد شكلت مجموعة من الأحداث النادرة تحديات كبيرة لصناعة فنون الجرافيك بشكل عام.
الارتفاع الصاروخي في أسعار الورق
تواجه صناعة الجرافيك في الآونة الأخيرة نقصاً حاداً في إمدادات الورق لم تشهده من ذي قبل. ومن المتوقع أن يكون للنقص الحالي في مخزون الورق تداعيات غير محمودة على توريد المنتجات المطبوعة لجميع الأسواق الاقتصادية. هذا بدوره يشكل تهديداً، ليس فقط لصناعة الجرافيك ولكنه يعرض جميع الوظائف الداعمة للصناعة إلى التهديد، وذلك على مستوى جميع القطاعات كماأنه يهدد حالة الانتعاش المنتظرة الذى يحتاجها الإقتصاد الأوروبي. ووفقاً لما أعلنته “Intergraf” فإن قطاع الطباعة يمر بأزمة غير مسبوقة وذلك على مستوي ال6 أشهر الماضية. وقد سجلت أسعار الورق في المتوسط معدل نمو يبلغ 45٪، وذلك على مدار الأشهر الستة الماضية، كما بلغ هذا المعدل إلى 80٪ على مستوى ورق طباعة الصحف الذى يستخدم فى طباعة الجرائد والمجلات.
وفى الفترة الحالية، فقد أدى الإضراب المستمر في مصانع الورق على مستوي دول شمال أوروبا والذي من المقرر أن يستمر حتى نهاية مارس أو أبريل المقبل إلى تفاقم الوضع بالنسبة لتوريد الورق والكرتون في أوروبا على المدى القصير. ومن المؤكد مخزون شركات الطباعة لن يدوم حتى تسوية الإضراب.
ومن ناحية أخرى، يحذر العديد من أعضاء المنتدى العالمي للطباعة والاتصالات (WPCF) من أن النقص الحالي في حجم المعروض من الورق سيكون له تداعيات وخيمة على مسألة توريد المنتجات المطبوعة لجميع الأسواق الاقتصادية، كما سيعرض صناعة الجرافيك إلى تأخر الإنتعاش فى مرحلة ما بعد الوباء. وبينما شهدت منتجات صناعة الجرافيك خلال العامين الماضيين انخفاضاً واضحاً، فقد عاد الطلب الآن تقريباً إلى مستويات ما قبل حدوث جائحة كوفيد-19 في معظم البلدان. وفي العام الماضي 2020، فقد اضطر العملاء إلى تقليل الإعلانات المطبوعة وتحول العديد منهم إلى الوسائل الإلكترونية والرقمية لتنفيذ حملاتهم الإعلانية. وفي منتصف عام 2021، عاد هذا السوق إلى الطباعة مرة أخرى ولكن العملاء يواجهون الآن ارتفاعاً في الأسعار وحالة من عدم اليقين بشأن المعروض من خامات الورق والكرتون. وفي بعض البلدان بما في ذلك تركيا وسريلانكا، أصبح نقص الورق أزمة كبيرة. فقداضطرت الحكومة السريلانكية إلى إلغاء الامتحانات المدرسية بسبب النقص الحاد في الورق، بينما في تركيا وصل معدل التضخم السنوي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق بنسبة 55٪، وقد ذكر ممثلو صناعة الورق أن أسعار منتجات التعبئة التغليف قد ارتفعت بأكثر من 100٪، وذلك مقارنة بالعام السابق. ويُذكر أيضاً أن التكاليف المتزايدة لها تأثيرعلى قطاع إعادة التدوير.
اضطرابات سلاسل التوريد
كانت إحدى الطرق التي أثرت بها جائحة كوفيد-19 على الشركات الصغيرة التأخر في الحصول على المخزون اللازم، وذلك نتج عن تعطل سلاسل التوريد.
وعلى مستوي العامان الماضيان كان يحاول كلاً من الشركات والأفراد على حد سواء أن يتعامل مع الأزمة بشكل يقلل من حده آثارهاه. حيث أنه مع انتشار الوباء لأول مرة لم يكن أحد يتوقع أننا سنظل نتعامل مع تداعياته حتي اليوم. ولقد ولدت مجموعة من التحديات الجديدة نتجت عن تفاعلنا مع بعضنا البعض، ووسائل الاتصال الخاصة بنا وكيفية حصولنا على الإمدادات.
وقد تأثر كل عنصر في صناعة الطباعة بالوباء والإغلاق الاقتصادي اللاحق. والآن يواجه مشغلو سلسلة التوريد مشكلات في الحصول على المادة الخام اللازمة لتصنيع الورق، والمواد اللازمة لعملية التجليد، والمواد اللاصقة والمواد الأخرى. وفى الحقيقة، لا يوجد سبب واحد يمكن إلقاء اللوم عليه، بل هناك عدة أسباب تراكمت لتصبح عاصفة كاملة تعرقل صناعة الطباعة.
ومن الجدير بالذكر أيضا، أن هناك مشاكل مستمرة تثقل كاهل سلسة التوريد العالمية وهي تتمثل فى إرتفاع تكاليف الشحن ومشاكل الشحنات الدولية وأيضا العراقيل الموجودة في الموانئ في جميع أنحاء العالم.
ووفقاً لشركة “LPC” وهي شركة اتصالات تسويقية وأبحاث صناعية، فإنه على مدار عام 2020، كان نقل حاوية بضائع من آسيا إلى الموانئ الواقعة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة يتكلف عادة ما بين 1000 و 2000 دولار أمريكي. واليوم يكلف نقل نفس الحاوية على طول المسار نفسه ما يقرب من 20000 دولار أمريكي.
وبذلك نستطيع القول أن هناك العديد من أمثلة هذه الاضطرابات الخارجة عن مسئولية أي شركة فردية. فهذه مشكلة منهجية ومن المرجح أن تستمر بطريقة أو بأخرى لسنوات قادمة. ومع ذلك، فإن هناك طرق للتحكم في الموقف، وذلك لضمان عدم تعقيد المشكلات والتسبب في المزيد من المشكلات.
نقص المواد الخام
بخلاف المواد الخام المستخدمة في إنتاج طلاءات وأحبار الطباعة والمواداللاصقة فإنه هناك أيضا نقص في المعروض. حيث صرحت “Flint Ink” أحد أكبر منتجي الأحبار والطلاءات في بيان لها، عن مشاكل ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، حيث انه مازال تأثير التحول النموذجي للوباء العالمي مستمر بلا هوادة على سوق المواد الاستهلاكية للطباعة، وذلك مع المزيد من النقص في المواد الخام الأساسية والموارد البشرية والخدمات اللوجستية، مما أدى إلى عدم استقرار غير متوقع داخل سلسلة التوريد العالمية للمواد الاستهلاكية.
وقد ذكر توني لورد، رئيس قسم (مطبوعات الويب التجارية) و(حلول التغليف والتعبئة بطباعة الأوفست) لدى شركة “Flint Group”: “لقد أدى هذا الحدث إلى ندرة هيكلية في المواد الخام الأساسية، حيث يقوم مقدمو المواد الأولية الأولية وموردي المواد الخام الأولية داخل سلسلة التوريد بتوجيه قدراتهم المنخفضة إلى صناعات مربحة أكثر من أسواق المواد الاستهلاكية للطباعة. وهذا بدوره يخلق تأثيرا ثنائيا ليس فقط بسبب النقص في المواد الخام ولكن أيضا بسبب الزيادة الهائلة في أسعار تلك المواد الخام التي يمكننا الحصول عليها “.
واختتم توني لورد حديثه قائلاً: “كنا نأمل أن يكون عدم استقرار السوق الذي شهدناه خلال عام 2021 معتدلاً ولكن للأسف لا نرى أي احتمال للتوقف عن حالة عدم الإستقرار وخاصة فى ظل الظروف السائدة لعام 2022”.
ومن ناحية أخرى، أجبر كلا من أزمة نقص الرقائق الإلكترونية وكذلك نقص المعادن مثل الحديد والألمنيوم وغيرها، مصنعي مكابس الطباعة على زيادة أسعارهم بشكل أكبر.
كما قامت شركة صن كيميكال بزيادة أسعار بعض المنتجات مثل الأصباغ والطلاءات والمستحضرات الخاصة بها، وذلك منذ بداية العام الحالي 2022. وقد أثرت هذة الزيادة فى الأسعار على جميع قطاعات السوق.
وذكرت شركة صن كيميكال “إن الضغط التضخمي المستمر والزيادات المفاجئة في أسعار المواد الخام الرئيسية تستمر في دفع الزيادات في التكلفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التأثير القوي لأزمة النقل العالمية وإرتفاع أسعار المكونات المختلفة لعملية التصنيع يزيد الوضع سوءاً.
كما قامت “hubergroup” وهي واحدة من أكبر المصنعيين فى مجال الأحبار، بزيادة أسعارها جميع منتجاتها. كما صرحت الشركة أنه مع استمرار ارتفاع تكاليف المواد الخام والنقل والعمالة والطاقة، فإنها hubergroup Print Solutions تقوم بزيادة الأسعار في جميع المناطق العالمية.
أزمة أوكرانيا
وفقاً لأعضاء المنتدى العالمي للطباعة والاتصالات، فإن التوترات قد تفاقمت في جميع الأسواق وذلك بالتزامن مع حدوث الحرب في أوكرانيا، كما أنها سوف تتسبب في مشاكل إضافية في الإمدادات الخاصة بتصنيع المنتجات القائمة على الخشب أو اللباب الذى يتم إستخراجه من الغابات بروسيا أو أوكرانيا. ومع ذلك، فقد أدت الأزمة في أوكرانيا إلى جلب الورق والتغليف معاَ. وفي أعقاب العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا المجاورة، فقد تأثر بشكل كبير العديد من شركات الورق والطباعة والتغليف الرائدة على مستوى العالم، وذلك بسبب الرفض المفاجئ للتعامل مع الشركات الروسية.
وبشكل عام، قد قطع التوغل العسكري سلاسل التوريد الرئيسية التي تعاني بالفعل حالة من الإضطراب بسبب التأثير الممتد لوباء كوفيد-19، وذلك وضع الشركات العالمية في حالة إمتثال لمجموعة متزايدة من العقوبات.
كما أثر الغزو الروسي لأوكرانيا بشدة على صناعة التعبئة والتغليف في جميع أنحاء أوروبا، وبالنظر إلى مكانة روسيا وأوكرانيا كموردين رئيسيين للمواد الخام والأخشاب وبالنظر إلى حجم صادراتهم التي تزيد عن 12 مليار يورو، فإنه حتماً ستتأثر صناعة الورق والتغليف بشكل كبير بهذة الأزمة.
لقد خلقت الحرب حالة من عدم استقرار وعدم القدرة على التنبؤ على مستوى الأعمال والعلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والدول المتحاربة وهم روسيا وأوكرانيا، كما كان لها تأثير أيضا على يبلاروسيا إلى جانب تأثيرها الاقتصادي الذي لا يزال من الصعب للغاية تقييمه في المستقبل القريب.
كما سيؤدي استبعاد البنوك الروسية من نظام SWIFT الدولي والانخفاض الكبير في أسعار صرف الروبل إلى قيود بعيدة المدى على التجارة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.
ونظراً لأن تدفقات تجارة الورق واللباب بين الاتحاد الأوروبي وروسيا كبيرة جداً، فقد تؤثر قيود التجارة الثنائية على صناعة الورق ولب الورق في الاتحاد الأوروبي بشكل كبير. وفي حين أن معظم البلدان في أوروبا تتأثر بالأزمة المستمرة، فإن تلك الدول التي تأثرت بشدة إلى جانب صناعاتها تشمل ألمانيا والسويد حيث أن صادراتهم تمثل 55٪ من إجمالي صادرات دول الاتحاد الأوروبي من خام اللباب إلى أوكرانيا، وأيضا تشمل دولة فنلندا حيث تمثل صادراتها 54٪ من إجمالي نسبة صادرات الاتحاد الأوروبي من الورق والمجلس إلى روسيا.
تعتبر أوكرانيا مستورد رئيسي للورق والكرتون من دول الاتحاد الأوروبي وذلك مع حجم صادرات محدودة، وفي حين أن التجارة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا متوازنة تمامًا. فقد تؤدي القيود المفروضة على تجارة الأخشاب والمنتجات القائمة على الخشب والتي يمكن تضمينها في العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي أو روسيا إلى إلحاق ضرر كبير بصناعة الورق.
وفي الوقت نفسه فإن كبار مصنعي معدات الطباعة الرقمية مثل، إتش بي وزيروكس وعدد من موردي البرامج مثل شركة مايكروسوفت قد أوقفوا الشحن إلى روسيا. كما أعلن آخرون مثل كانون وفوجي فيلم عن تبرعات لأوكرانيا بهدف دعم المساعدات والجهود الإنسانية.
ما هو القادم بالنسبة لصناعة الطباعة العالمية؟
قد تبدو الأمورقاتمة في الوقت الحالي، لكن الطلب على المنتجات المطبوعة كبير ومتزايد. وبالنسبة لدور الطباعة والشركات المتخصصة فى الصناعات التحويلية، فمن المؤكد أنهم ليس لديهم آلية للتأقلم مع الوضع الجديد والتخطيط للمستقبل، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمخزون والإمدادات. فقط التواصل مع العملاء هو مفتاح النجاح في هذه الأوقات الصعبة.
حيث أن السماح للعملاء بمعرفة إحتمالية حدوث تأخيرات في طلباتهم يمكن أن يساعد في تهيئتهم بأن وقت تسليم الطلبيات الخاصة بهم سوف يكون غير مثالي. ومن المرجح أن يقدر العملاء المخلصون هذة المصارحة من جانب متخصصي الصناعة،وذلك عند اتخاذ قرار شراء آخر.
إجتياز العاصفة
من أجل النجاح فى تجاوز هذة الأزمة الحالية بشكل مثالي على مستوى دور الطباعة، فإنها يجب أن تكون جاهزة لاتخاذ القرارات الصعبة الغير إعتيادية وأن تحافظ على التواصل مع عملائها. فالقدرة على تحقيق كلا من، عامل الشفافية والمصارحة يعتبر المفتاح والعنصر الضرورى من أجل البقاء فى سوق صناعة الطباعة فى غضون الأزمة الحالية.