تحديات وأهداف دور النشر العراقية في ظل التغيرات الثقافية والتكنولوجية
فُتحت أبواب العاصمة العراقية لاستقبال آلاف الكتب والإصدارات الأدبية أول أمس الأربعاء، في معرض بغداد الدولي للكتاب، حيث يستمر المعرض حتى السابع والعشرين من سبتمبر الجاري.
وتتميز هذه الفعالية بمشاركة عدد كبير من الضيوف البارزين الذين يحتفون بالكتاب الورقي، إذ ومع تزاخم العصر الإلكتروني وهيمنة الفضاء الرقمي، تواجه دور النشر العراقية صراعاً للبقاء والاستمرار، بعضها أصر على اتخاذ طرق النجاح في سماء الأدب العربي والعالمي حتى، فيما يتداول البعض عقبات لا حصر لها، آملين بالخلاص منها.
يوضح الناشر والكاتب العراقي أمير علي، قائلاً: “هناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى تراجع دور النشر وأهمها غياب الدعم الحكومي لقطاع النشر والكتب وغياب الرقابة عن الإصدارات التي أدت إلى نشر أفكار وكتب رديئة، بالإضافة إلى حظر الكتاب العراقي سابقاً للدول العربية، ولجوء بعض دور النشر لسرقة حقوق الكتب الأصلية وطباعتها محلياً.
ويضيف بحديثه قائلاً: “بعض دور النشر تتعامل مع الكاتب وكأنه ملكاً لهم مع نتاجاته، كما أن جشع بعض أصحاب دور النشر والابتعاد عن المهنية تجعل منهم يرون الأمور بصورة مغايرة، فيقوم بعضهم بطباعة نسخ متنوعة حسب الكاتب، فإذا كان الكاتب جيداً ولديه جمهور، سيطبعون له أكثر من الكمية المحددة بعقد، من أجل أن يتسنى لهم الربح الكبير، وأما إذا كان الكاتب مبتدئاً فيقومون بطباعة أقل من الكمية المحددة حتى يحولوا أجور الطباعة لربح إضافي متناسين أصول المهنة”.
هل هنالك فرق بين دور النشر؟
ويرى علي، إن “هناك فرقاً بين الدور العالمية والعربية والدور العراقية، فلا تستطيع أغلب دور النشر العراقية منافسة الدور العالمية والعربية لعدة عوامل منها استراتيجية خاطئة في بناء دار النشر”.
ويكمل حديثه: “جعل هذا الغياب حضور ثلاث دور نشر لا أكثر لتمثيل العراق في المحافل الأدبية خارج الحدود، في الوقت الذي نرى حضوراً مبهراً لكل دولة من خلال عشرات دور النشر في المعارض الدولية، وبالتأكيد فإن كلامي لا يعني تهميش جهود الدور وما تقدمه من كتب مهمة للساحة الأدبية العراقية حتى أن بعضها ترشح لجوائز عالمية مهمة، خرجت من رحم دور محلية، لكن كلامي يشدد من فكرة وضرورة العمل أكثر للوصول إلى المستوى المطلوب في صناعة الأدب وطباعته”.
ماذا يحتاج الناشر؟
عدة نقاط، هي ما يحتاجها الناشر العراقي، كما يوضح علي في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع)، ومنها، تفعيل الرقابة على دور النشر لضمان جودة الكتب وعدم استغلال الكاتب، رفع الحظر عن تصدير الكتاب العراقي للدول العربية، ومحاسبة المزورين والمقرصنين للكتب الأصلية. من الضروري كذلك، تفعيل قانون وضوابط لفتح دار النشر.
ويضيف: “ثلاث من الإيجابيات التي تطغي على سلبيات واقع النشر في العراق، الأولى بعيدة عن النشر وتتعلق بالقارئ حيث إن القارئ العراقي أصبح يميز بين الكتاب الجيد والكتاب الرديء والكتاب الأصلي والمستنسخ، والثانية بأن بعض دور النشر أصبحت تهتم بترجمة أعمال عالمية وشراء حقوق لنشرها داخل العراق، إضافة إلى أن أسعار أغلب دور النشر مناسبة للقراء وهذا تقريباً لا يحصل عليه القارئ العربي أو الأجنبي”.
ويشير إلى أنه، وسط صعوبة واقع النشر في العراق، إلا أن هناك دوراً عراقية استطاعت الدخول في خط الترجمة وشراء حقوق مؤلفين منهم ما زال على قيد الحياة، ومنهم من مات، فعادوا بذلك جزءاً من تاريخ دار المأمون العراقية التي كانت غنية بالنتاجات العالمية، لكن الصورة المأخوذة عن السوق العراقي (الكتب المستنسخة كثيرة، سرقة حقوق، عدم المشاركة في المعارض الدولية) تجعل الأدباء يخافون من فكرة الطباعة بدور عراقية وخوفاً على نتاجهم الأدبي.
تحديات دور النشر العراقية
وعقدت دار الشؤون الثقافية في بغداد، التي يترأسها الشاعر والإعلامي عارف الساعدي، وبالتعاون مع قسم التنمية الثقافية، عقدت دائرة العلاقات العامة في وزارة الثقافة والسياحة والآثار مؤتمرها المهم بعنوان “تحديات دور النشر ومستقبل الكتاب الورقي والإلكتروني”.
كما تم تنظيم المؤتمر بحضور العديد من الشخصيات البارزة في مجال الثقافة والأدب في العراق، بما في ذلك علاء أبو الحسن، مدير عام دائرة العلاقات العامة، والشاعر عمر السراي، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين.
تمحورت مناقشات المؤتمر حول مجموعة من المواضيع المهمة التي تؤثر على دور النشر في العراق ومستقبل الكتب بصيغتيهما الورقية والإلكترونية.
تم التطرق إلى التحديات التي تواجه دور النشر في البلاد، بما في ذلك القضايا المالية والتقنية والثقافية التي تؤثر على إنتاج وتوزيع الكتب.
التعاون الادبي
تميزت الجلسة بقيادة محمد الواضح، بتسليط الضوء على أهمية هذا الحدث في دعم دور النشر والقطاع الثقافي في العراق.
تمثلت جهود دار الشؤون الثقافية والمستشارية الثقافية لرئاسة الوزراء في تنظيم سلسلة من المؤتمرات والنشاطات الأدبية، والتي تسعى إلى تحفيز التفكير والنقاش حول قضايا الثقافة والأدب في البلاد.
عارف الساعدي كان من بين المتحدثين الرئيسيين في المؤتمر، حيث أكد بحديثه أهمية هذا الحدث، واعتبر المؤتمر جزءاً من سلسلة النشاطات التي تهدف إلى تحسين الوضع الثقافي والأدبي في العراق.
تم التركيز على أهمية النشر وتوزيع الكتب وتعزيز الثقافة في المجتمع العراقي.
الملكية الفكرية
تناول علاء أبو الحسن في كلمته محوراً مهماً يتعلق بحقوق الملكية الفكرية وضرورة حمايتها في سياق دور النشر في العراق. هذا الموضوع يعد أساسيًا للحفاظ على العقل المبدع وتشجيع الإبداع الثقافي والأدبي في البلاد، مع توضيح الأسباب التي تساهم بصورة ما وبأخرى، بتلاشي الثقة بدور النشر ومنها، عملية الاستنساخ وبيع الكتب: اذ تمثل هذه المشكلة تهديدًا لحقوق الملكية الفكرية، من حيث نسخ الكتب دون إذن من المؤلفين وبيعها بشكل غير قانوني. هذا ليس فقط انتهاكًا لحقوق المؤلفين، ولكنه أيضًا يؤثر سلبًا على سمعة دور النشر والجودة العامة للكتب المتداولة.
وأضاف بحديثه،”يعاني الكتّاب والمؤلفون في العراق من فقدان حقوقهم الملكية الفكرية بسبب غياب التشريعات والقوانين التي تحمي هذه الحقوق بشكل كافٍ. هذا يعرض المبدعين لخسائر مادية ويقلل من حافزهم للكتابة والإبداع، ومن أجل حماية حقوق الملكية الفكرية ومكافحة مشاكل السرقة الفكرية، يجب وضع رؤية قانونية وإصدار قوانين تنظيمية تحمي حقوق المؤلفين والناشرين”.
وتناول الشاعر عمر السراي، موضوعاً حاسماً وهو حرية الكتاب بعد عام 2003، وقد ألقى الضوء على التحديات التي واجهت هذه الحرية خلال العقدين الماضيين.
قدمت مناقشته وتوصياته حول كيفية تعزيز هذه الحرية وتطوير القوانين ذات الصلة بالنشر والتأليف، مبينا بحديثه أن “معظم القوانين المتعلقة بالنشر والتأليف في العراق تعود إلى فترات قديمة وتحتاج إلى إعادة تقييم وتحديث، هذا يعني ضرورة وضع استراتيجيات جديدة لتطوير هذه القوانين وجعلها تتوافق مع التطورات الثقافية والتكنولوجية الحديثة، مع ضرورة تقديم توصية بإنشاء منظومة مختصة تعنى بعملية النشر والتأليف تضم ممثلين من وزارات مختلفة وتشجع على التعاون والتنسيق بينهم. هذه المنظومة يمكن أن تعمل على تحسين البيئة التشريعية والتنظيمية لصالح الكتّاب ودور النشر”.
أبرز المشاكل والحلول
فيما ألقى إيهاب القيسي، رئيس جمعية الناشرين والكتبيين، تصوراً موسعاً حول المشاكل التي تعاني منها دور النشر في البلاد، وقدم تحليلاً شاملاً لهذه المشاكل.
تناول القيسي العديد من القضايا الملحة في صناعة النشر في العراق، بدءاً من استيراد وتصدير الكتب وصولاً إلى دعم دور النشر بواسطة الطباعة المحلية داخل العراق.
أشار القيسي، إلى ضرورة رفع الضرائب عن استيراد الورق المخصص للطباعة، وإعادة تفعيل دور الجامعات في شراء الكتب، وتنمية سوق الكتب في البلاد، وختم كلامه بالقول: “من الضروري فتح أبواب التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والجمعيات المهتمة لتنفيذ هذه الحلول وتطوير صناعة النشر في العراق، مع أهمية مطاردة السارقين والمتجاوزين على الحقوق الملكية والطباعية للكتاب والناشرين”.