الطباعة تعتبر من أقدم الأبجديات والأيدوغرامات والصور الهيروغليفية حتى اليوم، وتعود بعض هذه المصطلحات وأساليبها إلى تقنيات النقش الجوهري الذي أشتهر وشاع في روما القديمة وأثينا.
يجمع الفنان والخطاط العراقي أحمد عبدالله بين مهارته في الخط العربي وبين فن التايبوغرافي، مشكّلا العشرات من اللوحات التي ترسم أيقونات للجواد العربي الأصيل في جموحه المتحرّر وأخرى لصقور محلقة في الفضاء الفسيح وثالثة لنسوة موشحات بملابس مزركشة بتشكيلات متنوّعة من الخط العربي ومدارسه المختلفة.
تتمتّع حروف الخط العربي بالقدرة على الصعود والنزول والتمدّد والمرونة في تغيير أشكالها، لذا يعدّ الخط العربي فنا تشكيليا مكتمل الصفات والخصوصيات، وتلك الصفات تجعله سهل التعبير عن حركته وكتلته فينتج حركة ذاتية تجعل الخط خفيف الكتلة وذا رونق مستقل يمكّنه من تحقيق إحساس بصريّ جميل وأصيل.
ويقول الخطاط والفنان التشكيلي العراقي أحمد عبدالله الذي اختصّ في الجمع بين فن الخط العربي وبين فن التايبوغرافي “إن الخط العربي يتمتّع بصفات خاصة تميّزه عن غيره وأهمها التجريد في الحروف واستقلاليتها وهو من أبرز الفنون التشكيلية، حيث يقول بيكاسو: إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن الرسم وجدت أن الخط العربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد”.
ويضيف عبدالله الذي كانتبداية اهتمامه بالخط العربي مبكرة “الخط العربي هو جزء من الفن التشكيلي وقد وجدت منذ سنوات أنه لم يحظ بالاهتمام مثل باقي الفنون البصرية، لذلك قمت بالبحث عن نمط فني يجعل الخط العربي يعود إلى مركزه المتقدّم على سائر الفنون، وبما أن الحياة في تطوّر مستمر والعالم يميل إلى الحداثة فقد اطلعت على بعض اللوحات لعدد من الفنانين الذين ربطوا الخط العربي بالفن التشكيلي فكنت امتدادا لهم مع استحداث بعض الأمور الفنية في هذا المجال”.
ويجمع عبداللّه بين مهارته في تشكيل الخط العربي وبين فن التايبوغرافي، ممّا أضفى على أعماله خصوصية تمزج بين الأصالة والحداثة.
والتصميم التايبوغرافي أو الفن الطباعي هو عبارة عن نظرية وممارسة تصميم الحروف والخط، حيث أنه فن يهتم بعناصر التصميم التي يمكن تطبيقها على الحروف والنص، وأيضا على الصور والجداول والتحسينات المرئية الأخرى في الصفحة المطبوعة.
وتعتبر الطباعة من أقدم الأبجديات والأيدوغرامات والصور الهيروغليفية حتى اليوم، وتعود بعض هذه المصطلحات وأساليبها إلى تقنيات النقش الجوهري الذي أشتهر وشاع في روما القديمة وأثينا.
ومع حلول القرن العشرين حوّلت أجهزة الكمبيوتر تصميم الخطوط إلى عملية مبسّطة، ممّا سمح بتكاثر الخطوط وأشكالها وضاعف إمكانيات استعمالها وتطبيقها على العديد من المحامل الفنية كاللوحات والأقمشة والمزهريات والإكسسوارات وغيرها.
ويقرّ عبدالله بأن “الخط العربي يتميّز بالإيقاع، وهو جزء مهم وعامل مؤثر في اللوحة، كما يسهم في زيادة نسبة التوازن بين أحجامها فيعطيها منظرا جماليّا مألوفا يؤثّر في إحساس المُشاهد”، مضيفا “اعتمد الإيقاعُ في الخط العربي على الخط الليّن والهندسي وعلى التماثل والتبادل والتناظر، وكذلك توزيع الوحدات وتعدّد المساحات وتوزيع الخط وسط كل تلك العناصر، ونادرا ما نرى في أي عمل فني إيقاعا واحدا بل غالبا ما يشمل عدة إيقاعات لكي يكسب اللوحة تجديدا وتنويعا في الشكل، لذا تكون الكتابة العربية في اللوحات الخطية دائما أكثر من العناصر الزخرفية”.
ويشير إلى أن “الإيقاع يعدّ في اللوحة الفنية بمثابة القلب في الجسم، وخاصة في الخط العربي”.
ويُضيف “الرسم نمط يعطيني فضاء للحرية أوسع من الخط العربي الذي يمتاز بصرامة قوانينه وهندسة حروفه المعقدة، ومع ذلك وبما أنني خطاط في الأصل وجدت في هذا النمط الفني ضالتي وهي ربط الأصالة بالحداثة من خلال الخط العربي”.
ويرى عبدالله أن غايته في كل لوحة “تقديم رسالة سواء أكانت مجتمعية أو فنية أو إنسانية، والغرض من الأحرف العشوائية في بعض الأحيان هو إظهار فن تقاطع الحروف بطرق هندسية لا تتعارض مع قواعد الخط العربي، إضافة إلى إظهار جمالية تلك الحروف وتألّقها من خلال مزج تقاطع الأحرف لتجسيم شكل معيّن”.
وكشف عبدالله أن طموحه لا يتوقّف عند حدود اللوحة ولا على نمط فني بعينه، وقال “أنا إنسان ذو أفق واسع متجدد أميل إلى ربط الأصالة بالحداثة من جانب والحفاظ على التراث ومواكبة العصر من جانب آخر، وأتمنى أن يتحقّق حلمي في تدريس الخط العربي في المدارس كمادة أساسية”.
وعبدالله الذي ينتمي إلى عدد من مدارس الخط العربي شارك في العديد من المعارض الفنية التي أقيمت في دول إقليمية وعالمية، وهو يرى أن لوحة “الكبرياء” أقرب اللوحات إلى قلبه.
ويقول عنها “فيها تجسّد الجانب المتعب من حياتي والإصرار على أن أكون إنسانا لا يترك الحياة قبل أن يترك وراءه بصمة مشرّفة تحمل الكثير من المعاني والرسائل، وحظيت بإقبال شديد من قبل الأوساط الفنية، حيث تعبّر اللوحة عن أجمل وضع يكون فيه الحصان وهو رفع أرجله الأمامية علامة على السمو والرفعة وعزة النفس، والخلفية كانت عبارة عن غيوم حيث ارتبطت هامته بالسماء للأسباب المذكورة، أما جسد الحصان فاخترت أن يكون جزءا من قصيدة الشاعر العراقي كريم العراقي التي يقول فيها: ألجم همومك واسرج ظهرها فرسا.. وانهض كسيف إذا الأنصال تلتحمُ”، والذيل جاء على شكل حروف مبعثرة للتناغم مع ذيل الفرس العربي الأصيل”.