دائمًا ما يتم تعريف تاريخ التصميم من خلال التوازن الدقيق بين اليد والأداة، والخطأ والتحفة الفنية، وبين العابر والخالد. اليوم يواجه هذا التوازن تحديًا جديدًا، وهو: الذكاء الاصطناعي. مع تطور الخوارزميات وقدرتها على إنتاج صور وأنماط بسرعة مذهلة ودقة لا تشوبها شائبة، يبرز سؤال: هل نقترب من نهاية الإبداع البشري، أم بداية نهضة جديدة؟
يذكرنا التاريخ أن الابتكار نادرًا ما يمحو الفن، بل يعيد تشكيله. عندما غيّر النول فن النسيج، وحين جاءت الكاميرا لتتحدّى الرسم، وعندما اتهمت المطبعة بتقليل قيمة المعرفة ــ كل لحظة من الاضطراب أدت في النهاية إلى ظهور أشكال جديدة من الجمال والتعبير. تولّت الآلات مهام التكرار والدقة، ولكن الدافع البشري للإبداع تعمق أكثر، حيث وجد طرقًا جديدة للتعبير عن الروح والنقص والمعنى. الذكاء الاصطناعي هو ببساطة الفصل الأحدث في تلك القصة الطويلة.
الكمال، الذي كان يومًا موضع إعجاب، أصبح الآن غير مكلف. يمكن للخوارزمية أن تولد تناسقًا خاليًا من العيوب، وأنماطًا سلسة، وتنوعات لا نهائية بمجرد الضغط على زر. ولكن ما لا يمكن للآلة أن تستنسخه هو الأثر. لا يمكنها أن تخبرنا لماذا شكل واحد يجعلنا نشعر بالحنين إلى الماضي، أو لماذا خط معوج يشعرنا بالحياة، أو لماذا نشعر في كثير من الأحيان أن الشيء المعيب أكثر قيمة من الشيء الخالي من العيوب. قد لا تكمن الرفاهية الحقيقية في المستقبل في الأسطح النظيفة تمامًا، بل في عدم الانتظام – ضربة الفرشاة المتذبذبة، والصبغة التي تتسرب، والغرزة التي تحمل قصة.
يضع هذا التحول المصممين في موقف قوة. وبدلاً من الخوف من الاستبدال، يمكنهم احتضان الذكاء الاصطناعي كشريك – متدرب لا يعرف الكلل، يتولى التكرار بينما يترك الحكم ورواية القصص للعقل البشري. إن الدور الناشئ ليس فقط للحرف، بل لما يمكن تسميته بعقل الحرفة: أي المبدع الذي يستخدم الآلة كأداة وقماشة، ولكنه يحتفظ لنفسه بالفعل الأعلى المتمثل في غرس المعنى.
كما يعمل الذكاء الاصطناعي على توسيع نطاق عدستنا الإبداعية. والطبيعة، مصدر الإلهام الخالد، يمكن ترجمتها الآن من خلال البيانات. يمكن أن تصبح رياضيات المد والجزر، أو خوارزميات نمو المرجان، أو تفرع الأشجار، لغات تصميمية – أنماط تبدو عضوية جدًا ومُعاد تصورها حديثًا. في الوقت نفسه، قد يصبح الإحساس المتجدد باللعب إلى فعلٍ ثوري. الألوان الجريئة والنسب المبالغ فيها والتفاصيل الطريفة—تخترق هذه الإيماءات منطق الأكواد لتذكيرنا بأن الإبداع لا يقتصر على الكفاءة فقط، بل يشمل أيضًا البهجة والسرور.
قد تكون الآلة قادرة على توليد صورة، لكن البشر فقط هم من يستطيعون منحها الروح. ينشأ المعنى من التراث والطقوس والخبرة المعاشة – الثقل غير المرئي للذاكرة والثقافة المضمنة في كل تصميم. مع اختفاء الحدود بين اليد والآلة، ربما لا يكون مستقبل التصميم إنسانيًا بحتًا ولا رقميًا بحتًا، بل اندماجًا بينهما: شكل من أشكال الدقة العميقة، حيث لا تكون الأخطاء والمخالفات عيوبًا يجب تصحيحها بل علامات على الأصالة.
ما ينتظرنا ليس تراجع الحرف والابتكار، بل تحولها. إن المستقبل لمن يرحبون بالآلات ولكن يرفضون التنازل عن القصة. قد تكون التكنولوجيا قادرة على محاكاة الكمال، ولكننا فقط من نستطيع أن نجعله إنسانيًا.
