تركِّز الشركات المتخصصة في الطباعة الثلاثية الأبعاد بالشرق الأوسط على إنتاج المعدات الطبية للمساعدة في مكافحة فيروس كورونا، لكن بعض الشركات تعتمد على هذه التقنية أيضاً في إنتاج منتجات للاستخدام اليومي، وتكتسب خبرات عملية بمرور الوقت.
لم يستغرق الأمر من قيس صبري وزملائه في الشركة الأردنية الناشئة إيون دنتال سوى بضع سنوات ليثبتوا كيف يمكن لرواد الأعمال في الشرق الأوسط المنافسة وتحقيق النجاح على المستوى الدولي. إذ تنتج الشركة تقويم الأسنان باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد وتبيعه للعملاء في الولايات المتحدة وألمانيا وسنغافورة والشرق الأوسط. والآن تستغل الشركة خبرتها في مكافحة جائحة كوفيد-19 من خلال إنتاج معدات طبية بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد.
وقال صبري: «تسببت تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد في إزعاج العديد من الأسواق التي تطلب الكثير من البنية التحتية الصناعية وتكاليف رأس المال. إذ تتيح هذه التقنية إمكانية التصنيع الديناميكي والمخصص في العديد من المجالات؛ ما سمح لنا باستخدام معداتنا لتصنيع قطع الغيار الخاصة بأجهزة التنفس الصناعي بالإضافة إلى أدوات اختبار المسحة».
وأضاف: «كان هدفنا هو سد العجز المؤقت في تصنيع الإمدادات الطبية إلى أن حتى يتمكن الموردون الكبار من تلبية الاحتياجات اللازمة، لكننا أدركنا أيضاً أن هناك حاجة ماسة إلى السيطرة على سلسلة التوريد محلياً. سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على أهمية التمتع بقدرات تصنيعية على المستوى الإقليمي».
ومع تعطل سلال الإمداد العالمية بسبب عمليات الإغلاق الشاملة وفرض قيود السفر، تدخلت شركات الطباعة الثلاثية الأبعاد لتقديم يد العون وإنتاج معدات الحماية الشخصية للعاملين في المجال الطبي، بالإضافة إلى قطع غيار أجهزة التنفس الصناعي وأقنعة الوجه للمستهلكين.
أعادت إيون دنتال ضبط أجهزتها لتتمكن من إنتاج 3800 قطعة من قطع غيار أجهزة التنفس الصناعي يومياً بالتعاون مع الخدمات الطبية الملكية في الأردن. كما تنتج الشركة أدوات اختبار المسحة اللازم للكشف عن الفيروس، والتي جرى اعتمادها من وزارة الصحة السنغافورية وتجري تجربتها في جميع مراكز الرعاية الصحية.
وبالمثل، بدأت شركة 3Dinova بقيادة مؤسستها رائدة الأعمال ربا النشاش في تقديم المساعدة هي الأخرى. إذ لا تنتج الشركة الآن أقنعة الوجه باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد فحسب، بل تنتج أيضاً مقابض أبواب تعمل بالكوع لتقليل احتمالات التقاط العدوى.
من جانبها بدأت مختبرات إيمنسا للتكنولوجيا – وهي شركة متخصصة في إنتاج قطع الغيار بمجال النفط والغاز ومقرها إمارة الشارقة – في إنتاج أقنعة بلاستيكية شفافة مصنوعة من نوع خاص من البوليمر يقاوم الفيروسات والبكتيريا ويوفر حماية للوجه 180 درجة.
وقال فهمي الشوا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إيمنسا: «تمكننا من إنتاج أقنعة واقية بأسعار تنافسية وتصنيع كامل بنسبة 100% في الإمارات. وبالتالي لن تحتاج الدولة إلى الاعتماد على استيراد مثل هذه الأدوات الوقائية الأساسية».
كذلك حوَّلت شركة Precise Group المتخصصة في توزيع الطابعات ثلاثية الأبعاد بالمنطقة اهتمامها إلى إنتاج معدات الوقاية الشخصية. وجرى توريد مئات الآلاف من المعدات للأطقم الطبية في المنظمات والمستشفيات والمنظمات الحكومية الإماراتية حسبما أوضح لوثار هوهمان رئيس الشركة.
وأضاف: «لدينا أكثر من 100 طابعة ثلاثية الأبعاد تحت تصرفنا في منشآتنا الإنتاجية ونعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لضمان سرعة التسليم لأن العملاء دائماً في عجلة من أمرهم».
سدة فجوة السوق الجديدة:
في حين أن معظم المنتجات المضافة التي أُنتِجت باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد خلال أزمة فيروس كورونا كانت مخصصة للاحتياجات الطبية، نجح خط الإنتاج الأخير لشركة Precise في سد فجوة جديدة بالسوق؛ وهو ما يكشف عن طريقة محتملة لتطور هذا القطاع. ومع انفتاح الاقتصاد وبدء المزيد من الأشخاص في الخروج مرة أخرى، ستصبح النظافة الشخصية أهم من أي وقت مضى. ويتمثل الحل الذي تقدمه الشركة في مجموعة من أغطية التعقيم المصنوعة من مادة بلاكتيف – وهي مركب نانوي مضاد للميكروبات مصنوع من بوليمر حمض اللاكتيك ومضافات نحاسية. ويقول مطورو المنتج الذي يُدعى Copper 3D إن هذه المادة تزيل 99.9% من الفطريات والفيروسات ومجموعة من الكائنات الحية الدقيقة.
وتابع هوهمان قائلاً: «لقد شهدنا طلباً متزايداً على هذا المنتج، إذ تتميز المواد المستخدمة في تصنيعه بالتعقيم الذاتي؛ ما يجعله آمناً ونظيفاً عند اللمس. تبحث الشركات عن إضافة المزيد من الحماية إلى الأسطح التي تُلمس بشكل متكرر مثل المفاتيح الكهربائية وأزرار المصعد ومقابض الأبواب».
جذب المنتج اهتمام المستشفيات والمطاعم والبنوك. وتصنع Precise الآن أقنعة الوجه المصنوعة بمادة بلاكتيف، ومن المتوقع أن تُطرَح الدفعة الأولى من المنتج بنهاية الشهر.
بشكل عام أدت أزمة فيروس كورونا إلى تسريع نمو صناعة الطباعة ثلاثية الأبعاد. إذ لم يزداد حجم عرض المنتجات المصنوعة باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد للعملاء فحسب، بل أصبحت الصناعة نفسها الآن تدرك كيف يمكن أن تؤثر التحولات السريعة في النماذج بشكل إيجابي على العمليات التجارية.
وقال صبري إن تجربة إعادة تعيين طابعات الشركة دفعتها إلى الاستثمار في معداتها بمرونة أكبر.
واختتم صبري حديثه قائلاً: «عندما تسنح الفرصة القادمة – سواء بسبب فيروس أو شيء آخر- هل سنتمكن من الاستجابة بهذه السرعة؟ لذا، فإن الدرس المستفاد هو أن العالم يتغير وأن التكنولوجيا تفتح الأبواب لفرص جديدة، ولكن بصفتنا رواد أعمال، كيف يمكننا التوصل إلى عرض قيمة تمكننا من حل مشكلة بسرعة ومرونة».