هل مازال هناك إقبال شديد على شراء وقراءة الكُتب الورقية ولمس صفحاتها بالأصابع والاستمتاع برائحة الورق كما في الماضي، أم أن المثقفين باتوا يفضّلون ويستمتعون بالكتب الإلكترونية، وإلى أيّ درجة هذا الأمر من شأنه أن يؤثر على الكاتب؟
سؤالان مشروعان باتا يتبادران إلى الأذهان في ظل هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي وفضاء الإنترنت بشكل عام على مجمل حياتنا وأنشطتنا اليومية.
قامت أحد المؤسسات الأعلامية بإجراء استطلاع رأى لعدد من الكُتّاب والأدباء المخضرمين منهم، ومن جيل الشباب، لمعرفة واقع وحال الكتاب الورقي اليوم، وهل مازال ينبض بالحياة، لربما نجد في رأيهم الشخصي إجابة وافية.
عبدالوهاب الرفاعي: الإقبال على الورقي أربعة أضعاف
رأى الكاتب والروائي والناشر، المهندس عبدالوهاب الرفاعي أن «الاقبال على قراءة الكتب أصبح أكبر بكثير مما كان عليه في الماضي، إذ أتذكر جيداً أول مشاركة لي في معرض الكتاب في العام 1999 وأقارنه بالوضع الحالي، فأستنتج منه أن الإقبال على الكتب تضاعف ما لا يقل عن أربع مرات».
وأضاف «الناس لجأوا إلى كل شيء في الأمور الإلكترونية، سواء على صعيد التعامل المالي أو الصحف، إلا أن الكتاب مازال محتفظاً بقيمته، وربما قيمته اليوم أصبحت أعلى. وكثير من دور النشر خصصت قسماً لها للكتب الإلكترونية، لكنها قامت بإغلاقه في ما بعد بسبب الإقبال الضعيف عليه».
وأردف: «في العام 2009 قامت مجلة (Time) الأميركية بإصدار خبر مفاده أن النسخة الإلكترونية باتت تبيع أكثر من الورقية، لكن بعد مرور عامين فقط، أصدرت إعلاناً آخر تحت عنوان (عودة المجلات الورقية إلى الصدارة)، قالت فيه إن النسخة الورقية قد تفوقت على النسخة الإلكترونية، وهذه مفارقة كبيرة».
وأكمل الرفاعي: «أرى أن الكاتب لا يتأثر بهذه الأمور نهائياً، فالأهم عنده أن تكون كلماته مقروءة، سواء كان ذلك إلكترونياً أو ورقياً. وعندما نتكلم عن الكتاب الإلكتروني، فإن التكاليف سوف تقلّ عند الكاتب، إذ لا توجد طباعة وغيرها».
هيثم بودي: ثورة كتابية غير مسبوقة
أوضح الكاتب والروائي هيثم بودي رأيه في هذا الشأن قائلاً: «الإقبال على الكتب الورقية في معارض الكتاب المحلية والعربية أصبح ظاهرة اجتماعية ثقافية غير مسبوقة، كما وانتشار دور النشر الشبابية التي كسرت احتكار دور النشر التقليدية، والتي أصبحت تقدم خدمات النشر والطباعة وتصحيح النصوص للمؤلفين والكتّاب الشباب زاد من انتشار الكتاب الورقي، بل وأتاح الفرصة للكتّاب الجُدد في خوض غمار التأليف، سواء في الرواية أو الكتب المعرفية الأخرى. ولو استبعدنا جودة المحتوى النصي، سواء رواية أو كتاب معرفي، لوجدنا أن الكتاب الورقي يعيش أوج قمة انتشاره».
وتابع: «كما وتواجد المكتبات في المجمعات الكبرى والأسواق الكبيرة أزاح المكتبات التقليدية القديمة التي تتواجد في الشوارع القديمة. لقد أصبح النشر مختلفاً، إذ أصبحت حياة الكتاب نابضة، حفلات التوقيع والاحتفاء بالمؤلف، أصبحت ظاهرة بغض النظر عن جودة المحتوى، إلا أن هذا التراكم سوف يخرج لنا كمّاً نوعياً جديداً خلال السنوات العشر المقبلة».
وأضاف بودي: «أيضاً، للانفجار المعرفي في وسائل التواصل وبيع الكتب (أون لاين) وسهولة تسويقه، سواء النسخ الورقية عبر البريد السريع أو الشراء والتحميل، جعلنا نعيش في ثورة كتابية معرفية غير مسبوقة. فمرحباً بالمؤلفين والمؤلفات الجُدد، عيشوا تجربتكم الحياتية في التأليف والنشر والحياة».
سحر بن علي: احتكار الكُتّاب
بكلمة «نعم»، بدأت الكاتبة سحر بن علي كلامها، مؤكدة أنه «لايزال هناك إقبال على قراءة الكتب، لأن الأمر يعود إلى ذوق القارئ. فهناك على سبيل المثال قُرّاء يفضلون لمس الورق عند القراءة لسهولة الرجوع إلى الكتب في أيّ وقت، أو من أجل كتابة بعض المسودات، أو قد يكون الأمر مجرد ذوق للقارئ لا أكثر. كما أن هناك الكثير من الكتب لا يُمكن أن نجد منها نسخاً إلكترونية، الأمر الذي من شأنه أن يُسبّب عائقاً حقيقياً لدى القارئ».
وإيضاحاً منها إن كان هذا الأمر يؤثر على الكاتب، قالت: «لا يُسبّب هذا الأمر عائقاً أبداً، ففي الكويت مثلاً لاتزال دور النشر تحتكر الكُتّاب على الأقل سنة كاملة من دون أيّ توزيع في مكان آخر ولو عبر فضاء الإنترنت، لذلك فإن القارئ المهتم بقراءة كتاب ما لأحد الكُتّاب والمؤلفين، فسوف يقتنيه».
أنوار العتيبي: ما خاب مَنْ استنجد بكتاب
الكاتبة أنوار العتيبي، قالت: «أعتقد أن الثورة الإلكترونية استدرجت بشكل إيجابي كثيراً من الناس الذين لا يقرأون، والبعض منهم قد هرول مسرعاً نحو الورق شغفاً لرؤية كاتبه المفضّل، واقتناء نسخة ورقية موقعة، وبدء رحلة الاستكشاف والاطلاع على بقية النسخ في أرفف المكتبات. في الآونة الأخيرة أستطيع أن أرى هيمنة الكتب الورقية في الدول العربية والأجنبية، وإن حصرنا الحديث على فئة الشباب فأنا في حقيقة الامر مستبشرة بهم ثقافياً، حتى أن الكثير منهم قد سعوا جاهدين لإيصال كلماتهم سواء من خلال نشرهم لكتاب ورقيّ أو حتى إلكترونيّ على بعض التطبيقات».
وتابعت: «لا أستطيع ضمان وجود احتياجاتي من الكتب الإلكترونية في أيّ وقت، وأعني بذلك ماذا لو حدث خلل ما في التكنولوجيا؟، لذلك على كل قارئ أن يؤمّن لنفسه حصيلة كافية من الكتب الورقية. وعن نفسي، أفضّل الوثوق في الأشياء الملموسة، حتى انني أدوّن كل ما أكتبه على الورق أولاً قبل نقله إلى الكمبيوتر، ثم إرساله إلى دار النشر، فالعالم الإلكتروني ربما يتعثّر أو يزول».
وختمت في قولها: «أجزم أن مَنْ بفطرتهم حب القراءة فإن رائحة الورق لديهم هي أشبه بالإدمان، ولمس الورق وتصفحه مسرّة واطمئنان. فالكتب الورقية لديهم عبارة عن استثمار ذهني وملجأ روحي، قدسية الأحرف على الورق سوف تظل منبع نور في ركن كل زاوية مكتبية مليئة بأثمن الكتب. والكاتب لطالما بكلماته استطاع الوصول إلى أذهان وقلوب القُرّاء، فلا يهم لديه طريقة الوصول إن كانت إلكترونية أو ورقية، وعلى كلٍ ما خاب مَنْ استنجد بكتاب».
مشعل حمد: هروب من الواقع
قال الكاتب مشعل حمد «بالنسبة إليّ، أرى أن الإقبال على شراء وقراءة الكتب الورقية مازال كبيراً جداً، وأيضاً مازال الناس يفضّلون الهروب من الواقع الإلكتروني إلى عالم بعيد عن ضوضاء المجتمع».
وتابع: «الكاتب الحقيقي هو مَنْ يكتب للكتابة وليس للعالم التجاري، لهذا فإن الكاتب الحقيقي، من وجهة نظري الشخصية، لا يتأثر بمعدل انخفاض أو علو الانتشار الورقي، لأنه في النهاية يترجم مشاعره على تلك الأوراق هروباً من الواقع».
سعد الرفاعي: الميل إلى الاستماع
كان للكاتب سعد الرفاعي رأي مختلف عن زملائه حينما قال: «ما لاحظته بشكل كبير أن الناس ليس أنهم لم يعودوا مقبلين على قراءة الكتب الورقية، بل إن غالبية الجيل الحالي أصبح يميل إلى الاستماع للكتب أكثر من قراءة الكتاب بنفسه، وهناك فئة قليلة جداً مازالت تُفضّل إلى اليوم الإمساك بالكتاب وتقليب الأوراق والاستمتاع بالقراءة».
وأضاف: «هو أمر ليس مرتبطاً بفكرة انتهاء موضة الكتب أو ما شابه ذلك، بل له علاقة بسلوكيات الناس التي تتطوّر يوماً بعد يوم، ومع توجهاتها وأخذ المعلومة بسرعة. ومسألة الاستماع إلى الكتب قد يُشكل أسرع طريقة لإيصال المعلومة، خصوصاً أن المرء يستطيع الاستماع إلى ما يريد في كل الأوقات وأيّ زمان ومكان، كما أنه يعتبر وسيلة أسهل من قراءة الكتب التي تحتاج إلى وضع معيّن، وغالباً ما تكون في المكتبات أو المقاهي».