لقد بدأت موجة الإنسحاب من معرض دروبا، من جانب كبرى الشركات مثل، هيدلبرج وزيروكس وتبعهم فى ذلك باقى الشركات؟ وهذا بالطبع يدعونا إلى التساؤل، هل هذا يعبر عن سلوك القطيع؟ فوفقًا لويكيبيديا فإن “سلوك القطيع” هو سلوك الأفراد داخل مجموعة معينة، حيث يتصرفون بشكل جماعي دون توجيه مركزي. وقد كان كلا من الفيلسوفان سورين كيركيجارد وفريدريك نيتشه من أوائل من أنتقدوا ما تم تسميته ب”الحشد”، حيث أنتقد كيركيجارد مصطلح “ أخلاق القطيع” وأنتقد نيتشة مصطلح “غريزة القطيع”. وقد حددت الأبحاث النفسية والاقتصادية الحديثة سلوك القطيع عند البشر لشرح ظاهرة التصرف من قبل أعداد كبيرة من الأشخاص بنفس الطريقة، في نفس الوقت.
ولكى نكون منصفين، هناك بعض الأسباب المقنعة لعدم المشاركة في معرض دروبا 2021 منها، عامل التكلفة، ووجود أزمة كوفيد 19، وبعض التوقعات الإقتصادية الغير مؤكدة وغير ذلك من الأسباب. ولكن على الجانب الآخر، فإننى أعتقد أننا جميعًا نفتقد شيئًا ما، وبالطبع هو شيئا ثمين. فمعرض دروبا يعتبر جزء لا يتجزأ من تاريخ وهوية صناعة فنون الجرافيك العالمية. وربما لا توجد صناعة أخرى تعتمد على معرض ضخم واحد. ومع ذلك فإننا ننسى أحيانًا الدور الثقافي لصناعة الطباعة في نشر المعرفة والأهمية التي توليها في حياتنا اليومية.
كما أود أن نذكر أن معرض دروبا مازال يعتبر بمثابة منصة لإطلاق الإبتكارات المزعزعة والعنيفة فى سوق الطباعة، فقد تم إطلاق كل من الماكينات التالية، لينو تايب، وسي تي بي، ودي آى بريس لأول مرة من خلال معرض دروبا. والمعرض يحدث مرة كل 4 سنوات مثل دورة الألعاب الأولمبية، ثم نظل جميعنا منتظرين قدوم الدورة القادمة من هذا الحدث الضخم فى حالة من الترقب. ومع ذلك فقبل أن يبدأ فيروس كورونا في إحداث الفوضى في جميع أنحاء العالم فقد جادل البعض حول ما إذا كان كل هذا الوقت والتكلفة والطاقة التي تستلزم للتجهيز إلى هذا الحدث الذى يعقد كل 4 سنوات تستحق هذا العناء بالنسبة لمعظم المشاركين أم لا؟ فربما لا يتم طرح هذة التساؤل من جانب الجميع حيث أن تجربة المشاركة فى المعرض بالنسبة لمعظم المشاركين كانت مميزة ورائعة.
وعقب إلغاء معرض دروبا 2020 وتأجيل موعد إقامته إلى 2021، ظهرت الندوات الشبكية بكثرة وأعجب بها الكثير من الشركات، فهذة الندوات منخفضة التكلفة ويمكن لأى شخص على مستوى العالم حضورها. والآن فى كل أسبوع تعلن شركة أخرى (من العلامات التجارية الكبرى) عن إنسحابها من معرض دروبا. وهذا ما جعلنا نتسائل من الذى سيعلن إنسحابه أيضا فى المرات القادمة؟ وبالطبع فإن هذا السؤال يحمل فى مضمونه ضررا بهذا الحدث العملاق، لان الإجابة عنه تشمل إنسحاب الشركات الكبرى من هذا المعرض الذى يعتبر من أهم المعارض العالمية فى مجال صناعة الطباعة.
فعندما أعود بذاكرتي إلى الدورات السابقة من معرض دروبا، وبشكل خاص دورة المعرض الخاصة بعام 2000، فإننى أتذكر أعداد المشاركين المهيبة والمذهلة التى كانت تحرص على الحضور. فقد كان هناك أكثر من 428000 زائر تجاري من 171 دولة يتجولوا في قاعات مركز المؤتمرات ميسي دوسلدورف، منهم 200.000 زائر وافد من جميع أنحاء العالم. وقد قامت إدارة المعرض بدعوة اكثر من 4100 صحفى (بما فيهم أنا شخصيا) لحضور هذا الحدث العملاق الخاص بصناعة الورق والحبر من جميع أنحاء العالم. وقد قامت أكثر من 2000 شركة بعرض المنتجات والخدمات والحلول الخاصة بها على مساحة عرض تزيد عن 160.000 متر مربع. وبالتالى فمن المؤكد أنها كانت تجرية فريدة من نوعها ومن الصعب أن تتكرر هذة الأعداد مرة أخرى. ولكن من المؤكد أن العالم قد تغير وكذلك تغيرت صناعة الطباعة. وربما يتعين على معرض دروبا أيضًا أن يتغير، ولكن فى كل الحالات يجب أن يكون موجودا وأن يكون جزءًا أساسيًا من صناعتنا، فلا شك أنها بحاجة إلى جهد جماعي منا جميعًا لإعادة إحيائها والمشاركة فيها. وعلى ذلك، فقد قدم منظمو معرض دروبا بإطلاق ما يسمى ب”دروبا المختلط” وهي منصة جديدة على الإنترنت لتزويد العارضين والزوار بوسيلة إضافية للتواصل مع الأقسام، ومناقشة الموضوعات الشائعة وتقديم مجموعات المنتجات الخاصة بهم. وأنا أعتقد أن هذة إستراتيجية رائعة وناجحة تقوي العلاقة بين العارضين والزوار المحتملين. لكنها لا يمكن أن تحل محل الحضور الفعلى، والاجتماع بشكل شخصى بين جميع الحاضرين، والتجول في ممرات القاعات المختلفة ومشاهدة الآلات أثناء العمل والمئات من الأجزاء الميكانيكية المدعمة بأحدث البرامج وهى تعمل بتناغم وانسجام. ويذكرنى هذا المشهد بالشاعر الإيطالي، والمحرر، وأحد واضعى النظريات، ومؤسس الحركة المستقبلية، فيليبو توماسو إميليو مارينيتي، وهو يتحدث قائلا، “يتحد المثاليون والعاملين في مجال الفكر لإظهار مدى سير الإلهام والعبقرية بخطى متوازنة مع تقدم الآلات والطائرات والصناعة والتجارة والعلوم والكهرباء”.
وأود أن أختتم حديثى لكم بهذا القول: “تحية للحدث الذي شكل تاريخ صناعة الطباعة، تلك الصناعة التي أحدثت ثورة عظيمة في العالم الحديث”.