يعتبر معرض “دروبا 2024” (drupa 2024) حدثاً بالغ الأهمية بالنسبة لقطاع الطباعة هذا العام. وإلى جانب كونه بوتقة معروفة للابتكارات المميزة، فإن هذا الحدث يمنحنا فرصةً للتأمل والتفكير والتعاون في عدد من القضايا الراهنة التي تؤثر على القطاع. ومن بين أبرز المواضيع التي يركز عليها الحدث بلا شك هي الاستدامة. فمع توجه العديد من العلامات التجارية اليوم لتطوير المزيد من نماذج الأعمال والعمليات التشغيلية المسؤولة بيئياً، يبذل القطاع جهوداً حثيثة لتقليل تأثيره البيئي – بدءاً من ابتكار طرق الطباعة المستدامة وتوظيف الأدوات التي تدعم الاقتصاد الدائري، وصولاً إلى تبني المواد المعتمدة من مجلس رعاية الغابات (FSC) والخالية من الكلوريد البولي فينيل (PVC) والمعاد تدويرها.
في هذا المقال، يناقش شادي بخور، رئيس وحدة التجارة بين المنشآت في “كانون الشرق الأوسط”؛ التغيرات التي لمسها على مدار السنوات العشرة الماضية بخصوص استدامة قطاع الطباعة، والعوامل الرئيسية التي تحرك عجلة التغيير التنظيمي للقطاع، وما يمكن أن نتوقعه اعتباراً من عام 2024 وما بعده.
شهدنا خلال السنوات العشرة الماضية تنامي المحادثات حول الاستدامة، وسعي الشركات للنمو بشكل أكثر دائرية ومسؤولية. وغالباً ما يترافق الأمر مع التساؤل فيما إذا كان هذا ممكناً دون التأثير على الربحية.
وطوال هذه الفترة، شهدنا تزايد خيارات تأجير معدات الإنتاج وإعادة استخدامها وإصلاحها وتجديدها وإعادة تدويرها، مما أدى إلى إحراز تقدم إيجابي بمجال التدوير. وقد أدى اعتماد أحدث التقنيات إلى تحسن عمليات الإنتاج ليس فقط من حيث معايير الأداء مثل السرعة والإنتاجية وجودة المخرجات، وإنما أيضاً في أمور أخرى مثل توفير الموارد وتقليل استهلاك الطاقة واستخدام المواد الخام – مما ساعد شركات الطباعة على تقديم خدمات أفضل لعملائها، إلى جانب العمل بكفاءة أكبر. وأصبحت إدارة النفايات أيضاً موضوعاً شديد الأهمية، حيث يسعى القطاع جاهداً لإعادة تدوير المنتجات الثانوية والمواد المطبوعة أو التخلص منها بطريقة أكثر مسؤولية.
وتركز الدراسات العالمية الأخيرة التي أجرتها شركتا “برايس ووترهاوس كوبرز” و”ديلويت” لاستقصاء آراء المستهلكين ومديري الأعمال، على التوجه ذاته؛ حيث ترصد تنامي الاهتمام والمساهمة الفاعلة بالاستدامة، وبالتالي، فإن الشركات التي تعتبر أكثر استدامة هي تلك المستعدة للنمو.
ويشجع هذا العامل الشركات على تعديل استثماراتها وعملياتها التشغيلية، حيث توصلت نفس الدراسة التي أجرتها شركة “ديلويت” على المسؤولين التنفيذيين إلى أن 75% من المشاركين قاموا بزيادة استثماراتهم بمجال الاستدامة على مدار الأشهر الـ 12 الماضية.
ولعل هذا التحول نحو المؤسسات التي تسعى لتكثيف ممارساتها المستدامة والإعلان بوضوح عن أوراق اعتماد الاستدامة الخاصة بها، يتجلى من خلال شروط العطاءات المفروضة في العديد من المناطق الأوروبية. فقد أصبح العديد من هذه العطاءات يرتكز حالياً على معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، ما يعني أن عدم قدرة الشركات على الإجابة على الاستفسارات المتعلقة بالاستدامة سيساهم بشكل شبه مؤكد في خسارتها فرص الأعمال ويحتمل أن يؤثر على سمعتها حتى.
أبرز اتجاهات الاستدامة التي تقود دفة التغيير التنظيمي
بالنسبة لعام 2024 وما بعده، من المهم تسليط الضوء على التدقيق المتزايد بخصوص الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بالنسبة للشركات الصغيرة، وكذلك للشركات الكبيرة التي غالباً ما توظف فرقاً وموارد مخصصة للحوكمة.
ويعزى ذلك إلى عدد من العوامل، أهمها تطبيق الاتحاد الأوروبي لوائح أكثر صرامة لمكافحة “الغسل الأخضر” والتي تم التصويت عليها لتصبح قانوناً في وقت سابق من العام الجاري، ومن ثم منح الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ما يصل إلى 24 شهراً للامتثال لها. وبموجب هذه اللوائح، ستواجه الشركات غرامات وعقوبات لا تقل عن 4% من إيراداتها السنوية في حال قدمت ادعاءات بيئية مضللة.
وإذا كانت توقعات العملاء بشأن قيادة العمليات المستدامة قد وقعت في السابق على عاتق الشركات الكبرى، فإن الأمر لم يعد كذلك اليوم. وقد لخّص ستيف ليستر، مستشار الاستدامة للعلامات التجارية العالمية وتجار التجزئة، الانعكاسات العملية لهذا الموضوع على الشركات الصغيرة والمتوسطة في عرض تقديمي حديث موجه إلى مزودي خدمات الطباعة، حيث قال: “هناك زيادة في عدد الشركات الناشئة التي تتباهى بالممارسات المستدامة التي تنفذها كجزء من آلية عملها. وهذا يعني أن الشركات الصغيرة التي ربما كانت في منأى عن هذا الأمر سابقاً ستبدأ بمواجهة ضغوط متزايدة لإثبات مؤهلات الاستدامة الخاصة بها، من منظور المنافسين والحكومات والمستهلكين“.
لكن الجانب الإيجابي بالنسبة لمزودي خدمات الطباعة الذين يدركون هذه المتطلبات وقرروا تبني نهج التغيير، هو أنهم في وضع أمثل لتزويد العملاء بحلول مستدامة لتوجيه حملاتهم. وأضاف ستيف ليستر: “يتم تحديد غالبية التأثير البيئي المتوقع في مراحل التصميم الأولى. وقد تكون الخيارات ذات التأثير البيئي الأقل هي مواد الطباعة البديلة التي توفر خيارات أكبر لإعادة الاستخدام والتدوير في نهاية العمر الافتراضي، أو الخيارات التي تتيح بصمة كربونية أقل في مراحل التوريد والتصنيع“.
حافز للتغيير
على الرغم من استحالة وجود حل واحد يناسب الجميع، لكن فهم الخيارات التكنولوجية والتشغيلية والمادية المتاحة وكيفية استجابتها لاحتياجات العملاء المتنوعة، يعد استثماراً مهماً قد يتحول إلى ميزة تجارية لشركات الطباعة، ليس فقط على صعيد زيادة المبيعات وإنما أيضاً على صعيد الاستعداد للمستقبل.
ومن ناحية، يمكن أن يكون التحول إلى عمليات أكثر استدامة ومشاركتها مع العملاء فرصة لمزودي خدمات الطباعة من أجل بناء علاقات أقوى وأوضح مع العملاء، وإضافة القيمة من خلال المزيد من الاستجابات المدروسة والإبداعية. لكنه من ناحية أخرى سيعزز من مرونة الأعمال، خاصة في ضوء المشهد التجاري دائم التغير والحافل بالتحديات، مما يجعل تنامي التوجه نحو العمليات المستدامة أمراً محتوماً.
تعرفوا أكثر على جهود الاستدامة التي تبذلها “كانون” من هنا، واكتشفوا المزيد حول أحدث مبادرات الاستدامة المتعلقة بمنتجات الطباعة لدى جناح “كانون” في “دروبا 2024” (القاعة 8a / B41-1 – B418).