صناعة النشر فى مصر تواجه كابوسا شديد القسوة

قبل نحو ثلاثة أشهر من معرض القاهرة الدولى للكتاب، بدا أن صناعة النشر فى مصر تواجه كابوسا شديد القسوة، تمثل فى ارتفاع قياسى فى أسعار الورق، ما يعنى بالنسبة للقارئ أن أسعار الكتب التى ينتظرها فى معرض القاهرة كل عام ستشهد زيادة قياسية فى الأسعار قد تصل إلى ثلاثة أضعاف، ما يهدد واحدة من الصناعات الحيوية لقوى مصر الناعمة بالتكلس مع تخارج عدد من دور النشر من السوق وسط توقعات بانخفاض القوى الشرائية للكتب فى الفترة المقبلة، كأحد تجليات الأزمة الاقتصادية العالمية.

أسعار الورق نار.. حقيقة واقعة إذ ارتفعت الأسعار فى أقل من ثلاثة أشهر من 13 إلى 45 ألف جنيه للطن، بزيادة تصل إلى 350%، لتجد بعض دور النشر صعوبة فى توفير الورق اللازم لطباعة أعمال جديدة، وتأتى الأزمة بالتزامن مع بدء دور النشر استعداداتها للدفع بعناوين جديدة إلى المطابع استعدادا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب الذى يعد العرس الأكبر للناشرين المصريين والعرب، لكنه عرس مهدد بغياب العريس أى الكتاب، إذ بدأ الناشرون فى مراجعة خطط النشر لتقليص العناوين الجديدة التى ستدفع بها للطباعة فضلا عن تقليص عدد النسخ من الكتاب الواحد لمواجهة الأزمة الجديدة.

                                          

«كارثة كبيرة».. بهذه الكلمة عبرت الناشرة فاطمة البودى، مدير دار العين للنشر، عن توقعاتها لتداعيات ارتفاع أسعار الورق فى الآونة الأخيرة على دور النشر، وأضافت لـ«آخرساعة»: «عندما يرتفع سعر الورق مرتين ونصفا، فضلا عن رفع المطابع تكلفة الطباعة، فكيف سيتم تسعير الكتب الجديدة؟ لذا ستؤدى الأزمة الجديدة إلى تبنى خطط انكماش بتقليل عدد الإصدارات، بالتوازى مع البحث عن خطط بديلة من ضمنها التحول إلى النشر الإلكتروني، والأخير أصبح واقعا وأقرب مما نتصور سواء شئنا أم أبينا»، وطالبت بضرورة تحرك الحكومة  لتوفير الورق بسعر مناسب من ناحية، والتفكير فى إعفاء مدخلات صناعة النشر من الجمارك خصوصا الأوراق وأحبار الطباعة كجزء من دعم الناشرين باعتبارهم يمثلون صناعة وطنية تعد إحدى مصادر القوى الناعمة لمصر.

الأزمة شاملة وستؤثر فى كل دور النشر

بدوره، قال الكاتب أحمد القرملاوى، مدير إدارة النشر بدار «ديوان»، إن الأزمة ليست فى ارتفاع أسعار الورق فقط، بل فى مدى توافره أيضًا، وتابع: «أحيانًا تكون على استعداد لدفع مقابل الورق بغض النظر عن ارتفاعه لإنجاز التزاماتك وخططك للحاق بمعرض كتاب معين تريد اللحاق بموعده، فضلا عن أنك تستخدم نوعا معينا فى الأغلفة الخاصة بالطبعات الأولى من منشورات الدار، فلا تستطيع توفيره فتشعر بالخوف من أن تخرج الطبعات التالية بجودة ورق أغلفة مختلفة أو أقل، فهنا نحن نتحدث عن مشكلات تقنية، فعندما يكون الورق متوفرا يمكن لك عندما تصلك عينة ورق ألا تتقبل جودتها وتغيرها فورا، لكن الآن نعمل فى ظل ظروف عصبية لأن الورق المتوفر فى السوق قليل».

وتابع: «نتيجة ارتفاع أسعار الورق سنكون أمام أزمة كبيرة فى تسعير الكتب الجديدة، فمثلا دار (ديوان) أصدرت عددا من أعمال نجيب محفوظ بأسعار معينة، لكن الآن أنت مطالب بنظام تسعير جديد للأعمال التى ستصدر لمحفوظ مستقبلا، وهو ما يضعك أمام خيارات صعبة عند التخطيط للطبعات القادمة، لأن البعض سيتهمك باستغلال نجاح ما أو أنك أردت ترك انطباع أولى ثم رفعت السعر بما يخالف سياستك فى النشر، وهو أمر غير حقيقى، لكن كل الأمر أنك مرتبط بندرة الورق وارتفاع سعره بشكل كبير».

وقارن مدير إدارة النشر بدار «ديوان»، بين تبعات جائحة كورونا والأزمة الحالية على الناشرين: «الأزمة الحالية شاملة وستؤثر فى كل دور النشر الكبيرة والصغيرة، فأزمة كورونا اقتصرت على غياب معارض الكتاب، لذا تأثرت بتلك الأزمة دور النشر الصغيرة التى تعتمد على التوزيع من خلال المعارض، أما الأزمة الحالية فستضرب جميع دور النشر خصوصا الكبيرة، التى ستلجأ إلى تخفيض فى عدد عناوينها الجديدة، وربما تخفيض عدد النسخ، لأن دار النشر ستعمل على تكريس كمية الورق لديها لعناوين بعينها الأكثر مبيعا، مع تأجيل بعض العناوين التى تغامر بها أو تلغيها فى الفترة المقبلة».

وتوقع القرملاوى أن حجم مبيعات الكتب فى معارض الكتاب بما فيها معرض القاهرة الدولى للكتاب القادم ستتأثر سلبًا، «لأن القارئ يرسم ميزانية معينة قبل معرض القاهرة الدولى، ويعدها خلال العام، ويضع فى اعتباره زيادة 5%، لكنه لن يتقبل زيادة بنسبة 50% لمشترياته فى المعرض الجديد ما سيؤدى إلى تقليص مشترياته فى النهاية، لأن الكتاب ليس من السلع الإلزامية، فالأزمة أوسع من ارتفاع أسعار الورق لأن هناك ارتفاعا عاما فى الأسعار، سيؤدى بالقارئ إلى التوفير فى الكثير من بنود الإنفاق بما فيها الكتب».

لا مفر من تأجيل الخطط..وخفض نسخ الطبعة الواحدة

ولم يختلف وائل الملا، مدير دار مصر العربية للنشر والتوزيع، فى تقييمه للأثر السلبى المتوقع لارتفاع أسعار الورق على حركة النشر خلال الفترة المقبلة، قائلا إن «التأثير المباشر لهذه الأزمة سيتجلى فى تراجع عدد الكتب المطبوعة من حيث العناوين الجديدة، فبعض دور النشر ستنشر خمسة عناوين بدلا من عشرة، أى سيتم تأجيل بعض خطط النشر، كذلك عدد نسخ طبعة الكتاب الواحد، فإذا كنت تطبع ألف نسخة من الكتاب الواحد، فقد تضطر لطبع 500 فقط، فالمتوقع أن ترتفع أسعار الكتب بشدة، بالتالى فالإقبال على شراء الكتب

Exit mobile version